في هذه الأيام نعيش مع معرض الكتاب الدولي بمسقط في دورته الحادية والعشرين، حيث يحوي المئات من العناوين المتعددة وفق جوانب مختلفة في الحياة، منها اللغوي والفكري والفلسفي والعلمي التجريبي والتطبيقي وكتب السياسة والأديان والاقتصاد، وعالم الطبخ والأطفال والمرح وغيرها كثير يصعب عده وحصره.
ومن هذه الجوانب كما طلبت جريدة عمان الغراء الكتابة حول موضوع الترفيه والتسلية، وبلا شك بداية كل كتاب في جوهره يحوي النقيضين الجدية والمتعة، فهو جديّ في معرفته وقيمته العلمية، وفي الوقت نفسه يعطي القارئ المتعة والتسلية.
إلا أنّ هناك من الكتب التي تعطي في جملتها العمق الفكري والفلسفي والمعرفي في أي تخصص كان، وهناك كتب أخرى تعطي للتسلية والترفيه جانبا كبيرا.
ومع اكتشاف الطباعة وتطورها انتشرت كتب التسلية بصورة أكبر تحت أبواب القصص والمختارات والألغاز والفكاهيات والأمثال ونحوها، بل أصبحت هناك مجلات تعنى بهذا، وأبحاث رصدت في هذا الأمر، فصارت فنا بذاته، وعلما قائما يدرس على حده.
وفي التراث العربي ما يوجد وحفظ من كتب التسلية والمتعة المعرفية، والتي سادت كتب الأدب على عدة أشكال، الأول منها على شكل لسان الحيوانات، ومن هذه الكتب ألف ليلة وليلة والتي ترجمها ابن المقفع ت 142هـ عن الهندية على الأشهر، وقيل عن الفارسية، وقيل غير ذلك.
وإذا كانت ألف ليلة وليلة تحكي حكايات بشريّة بلسان الحيوان؛ إلا أنّ كتاب الحيوان للجاحظ ت 255هـ في الحقيقة يتكلم عن الحيوانات ولسانها في أسلوب ممتع ومسلي، وفي الوقت نفسه له قوته المعرفية والفلسفية.
ومنها على شكل كتب الظرائف والتي تحوي شخصيات ضاحكة كشخصية جحا، وكان لها حضورها في العهد العباسي، وجحا اختلف فيه قيل شخصيّة وهميّة، وقيل شخصية حقيقية ظلت رمزا للذكاء والغباء في الوقت نفسه، واشتهر مع حماره الذي لا يفارقه، واختلف فيه فقيل أصله تركي، وقيل فارسي، وقيل عربي، فكل أمة تنسبه إليها.
ومنها – وهي الأكثر – على شكل قصص ومرويات ككتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ت 356هـ.، وهو من أكبر الموسوعات الأدبيّة، وكتاب العقد الفريد لابن عبد ربه ت 328هـ، وكتاب البخلاء للجاحظ ت 255هـ..
كذلك يأتي كتب المقامات، وهي عبارة عن مجموعة من الكلام الفصيح يحوي حكايات قصيرة متفاوتة الحجم، جمعت بين النثر والشعر، بطلها رجل وهمي، وتتسم بالمغامرة والفكاهة والغرض المراد من توصيله للقارئ.
ومن أشهر المقامات مقامة أبي الفضل أحمد بن الحسين المعروف ببديع الزمان الهمذاني ت 395هـ، ومقامة أبي محمد محمد بن القاسم الحريري الحرامي البصري، المشهور بمقامة الحريري والمتوفى 516هـ.
كذلك القصائد الأدبية وكتب الأمثلة والحكم، ومن الشعر خاصة الشعر الساخر والفكاهي والذي يدخل في هذا الجانب، وقد جمّع الأصفهاني وابن عبد ربه طرفا من هذا، وسبق الإشارة إلى كتابيهما في الأعلى.
أمّا التراث العماني فيكاد تكثر فيه هذه الكتب الفقهية لكونه في الغالب تراثا فقهيا، ولطبيعة الدولة الدينية التي حكمت عمان في جملتها متشددة فقهيا، إذا ما استثنيننا دولة النباهنة وبعض العهود.
ومع ذلك هناك من الأدب العماني الذي يضم في شعره الترفيه وبعض التسلية المتناثرة في الدواوين والكتب، كذلك أدب المقامات العمانيّة كالمقامة السونية نسبة إلى السوني بلدة العوابي من عمان، وهي للشيخ الشيخ سعيد بن راشد بن بشير الغشري الخروصي من القرن الثاني عشر الهجري، وأشهرها مقامات أبي الحارث للشيخ محمد بن علي بن خميس البراوني الذي ولد وتوفي في زنجبار، وسنة وفاته 1373هـ..
ولعل الشيخ سعيد بن حمد الحارث ت 2009م ممن أرخ بعض القصص الطريفة والمسلية في كتابيه اللؤلؤ الرطب والزهر الربيع، ونحوها من الكتب العمانية في الأمثال والقصص المحكية.
وتعتبر رواية ملائكة الجبل الأخضر للأديب عبد الله الطائي ت 1973م من أوائل الروايات العمانية التي تعطي متعة القراءة مع تأثيرها النفسي وعمقها الروائي الأدبي.
وللعلامة أبي مسلم البهلاني ت 1339هـ كتاب النشأة المحمدية، وهو مصوغ بشكل ممتع يجذب القارئ لمعرفة سيرة النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام، بعيدا عن الإسهاب الروائي والسندي، كتبها كبديل عن مولد البرزنجي للعالم جعفر بن إسماعيل بن زين العابدين البَرْزَنْجي الشافعي ت 1317هـ..
عموما هذا في كتب التراث، أمّا اليوم بعد سهولة الطباعة ظهرت كتب متنوعة، ووسائل جديدة في الفكاهة منها كتب الألغاز من أشهرها موسوعة الألغاز المستعصية لكولن ولسن ت 2013هـ، وكتاب ألغاز تاريخيّة محيرة لبور أورن (معاصر)، ومن الكتابات العربية الألغاز الذهبيّة للبسام (معاصر).
وظهر كذلك في القرن التاسع عشر القصص المصورة والتي اشتهرت بداية بالكومكس، وظهرت أولا في الولايات المتحدة وفي غرب أوروبا في فرنسا و بلجيكا، وظهرت مع الرسام السويسري رودولف توبفر ت 1846م، وسعى في نشرها حينها.
أمّا في العالم العربي فظهرت متأخرة تقريبا في السبعينيات من القرن العشرين، أمّا ما قبل ذلك فغالبا ترجمة للقصص الأمريكية واليابانية، إلا أنها ظهرت بقوة مع مجلات الأطفال كمجلتي باسم وماجد.
كذلك أيضا ظهرت كتب الفكاهة في قالب جديد، وانتشرت انتشارا كبيرا، منها على لسان الإنسان وبعضها على لسان الحيوان، وانتشرت النكتة الصعيدية ليكون لها وقعها في العالم العربي، ويأتي بعدها النكتة السودانية.
بجانب انتشار كتب الخيال، ومنها كتب الخيال العلمي، كذلك صيغت بعض العلوم سواء الإنسانية أو التطبيقية أو التجريبية، حيث صيغت على شكل قصص وحوارات تشد القارئ، ومن هذه الكتب الكتاب المشهور في التراث الإباضي سمر أسرة مسلمة لعلى يحيى معمر ت 1880م، وهذه الكتب مع جوها العلمي إلا أنها صيغت في شكل قصص وحواري لها بعدها التشويقي والترفيهي.
كذلك انتشرت الروايات الأدبية والروايات البوليسية، وروايات الأطفال، والقصص القصيرة، والنص المسرحي، والمسرحيات الشعرية، وهذه أصبحت تحتل الصدارة الأولى في المبيعات العالمية، ولها جذب جماهيري كبير في العالم العربي، سواء كانت المترجمة أم العربية الخالصة، ولعل روايات نجيب محفوظ ت 2006م احتلت الصدارة الأولى وخرجت إلى العالمية لتترجم في أكثر من لغة.
كذلك ظهر العديد من الروائيين العمانيين كحسين العبري في رواية الوخز، وسليمان المعمري فيمن لا يحب جمال عبد الناصر، وعبد الله العيسري في مذكرات فصيح بن عوف.
ومن الروايات والقصص الجديدة في هذا العام ضوء خافت لذاكرة مهتزة لنبهان الحنشي، وسفينة الحمقى لحسين العبري، وحكايات من واقع الحياة لحمود بن عامر الصوافي، وغيرها من عشرات القصص والروايات المليئة لهذا العام.
وأخيرا ممكن ننوه إلى موسوعات السؤال والجواب، وهذه كذلك لها شعبيتها بين القراء، والتي تعطي متعة كبيرة، بجانب قصص الأطفال وأغاريدهم.
عموما هناك جوانب كثيرة لعل ما ذكرناه كفاية للإشارة لا للحصر، وهو بذاته مقدمة لمن أراد البحث والتوسع والتحليل والحصر، وبعضها ذكرت وكتب عنها، وبعضها ينتظر من يكتب ويبحث عنها.
جريدة عمان 1436هـ/ 2016م