المقالات النقدية

قراءة في مسلسل عمر بن الخطاب

بداية ما كنت أحبّ الحديثَ عن هذا الموضوع لسببين اثنين: الأول الحديث عنه من خلال التنفير والتحذير لا يزيده إلا إقبالا، فكل ممنوع مرغوب، وفي نظري كثرة التحذير منه أكبر دعاية من وسائل الإعلام ذاتها لهذا المسلسل.

الثاني: الجانب الفني والدرامي تقدّم تقدّما كبيرا، والوقوف أمامه بين التوجس والحذر نرجع أنفسنا إلى الوراء عقودا من الزمن، وهذا يذكرنا بفلم الرسالة لمخرجه الكبير مصطفى العقاد، فمع الهجمة الدينية الشرسة ضده، والي دعّمت سياسيا، والتي كان أن يكون ضحيتها حينها العقاد نفسه، إلا أنّ الفلم خرج إلى العالم كأفضل فلم تحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام، والذي ترجم إلى عشرات اللغات، ودخل بسببه العديد في من الناس الإسلام، وأعطى الفلم لغير المسلمين صورة مشرفة عن الإسلام في حين عجز العشرات من العلماء والكتاب والدعاة تقديم ذلك! واليوم يعتبر حتى داخل المؤسسة الدينية من أفضل الأفلام عن النبي عليه الصلاة والسلام.

إذا المؤسسة الفنية اليوم ليست بحاجة إلى فتوى جواز أو منع، فقد شقت طريقها، والناس ليسوا مغفلين لا يدركون النافع والضار، المهم هو توجيه العقول إلى قراءة العمل الدرامي قراءة نقدية لإيجاد البديل، وتصحيح الخطأ، أما لغة المنع والتحذير فلا أظن ستجدي شيئا في عالم اليوم، وفي ظل الحراك الإعلامي الكبير.

عموما لهذين السببين أرتأيت عدم الحديث، ولقد اتصل بي هاتفيا وعن طريق الخاص مجموعة من الأخوة، وأشكرهم على حسن الظنّ بي لأقول كلمتي في الموضوع، فقلت لهم قبل أشهر بسيطة كتبت مقالا بعنوان: النبي (ص) بين الذاتية البشرية والرسالة الخالدة، وهو عبارة عن ردود على بعض انتقادات حفل المولد لجامع الدعوة بالموالح الجنوبية لعام 1433هـ، وكان ذلك بتأريخ: الخميس 23 ربيع الأول 1433هـ/ 16 فبراير 2012م، وقد نشرت الموضوع كاملا في صفحتي، وبإمكان القارئ الكريم العودة إليه، وسأنشر الموضوع المتعلق بالمقال كملحق وهو بعنوان تجسيد النبي عليه الصلاة والسلام.

لهذا قلتُ لهم تحدثت عن تجسيد النبي، وبينت رأيي، فلم أكن أتصور أن التشدد حتى على الصحابة، وأخشى أيضا الأئمة من التابعين ومن بعدهم، وعليه إكراما لرغبة الأخوة كما في سؤال الأخ الفاضل صديق الحياة، لذا سأدلي بدلوي على سبيل الاختصار لضيق الوقت، وانشغالي بمقالات جريدة عمان.

عموما كالعادة لا بد من هذه المقدمات لفهم الموضوع جيدا:

المقدّمة الأولى: قضية مسلسل عمر بن الخطاب قضية رأي لا يجوز التعنيف فيها، ورفعها إلى مسائل الدين، فمن تشدد علينا أن نحترم رأيه، ومن تساهل كذلك علينا احترام رأيه أيضا.

المقدّمة الثانية: لا بد أن نفرق بين الإفتاء والحوار، فالإفتاء بيد المؤسسة الرسمية، والإفتاء في حدّ ذاته غير ملزم خلافا للقضاء، أما الحوار فهو مفتوح للجميع ليدلي بدلوه وفق الأدبيات القرآنية الرفيعة.

المقدّمة الثالثة: لا يجوز أن نتعامل مع شخصية عمر كشخص، وإنما نتعامل معها كفكر وتراث، أما كشخص فقد أفضى إلى ربه بما قدّم من عمل، والله لن يحاسبنا عنه ولا عن غيره، لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فعمر كشخص قد أفضى إلى ربه، وكفكر لا شك ستتعدد الرواية التأريخية فيه، وسيدخل في الأمر التعصب المذهبي المؤيد والمعارض، وعليه ينبغي أن نتقبل الرأيين، وأن نحول العقول إلى دراسة العهد العمري دراسة نقدية لا تأليه فيه لشخص، وأن نعدل في ذلك، وأن نربط التأريخ بالرواية لا بالشخص، لأننا لا نملك محاسبة أحد.

المقدمة الرابعة: عمر شخص كأي شخص من مخلوقات الله تعالى، فعندما نقرأ تأريخه لا بد أن نتصور شخصا في أذهاننا، سواء قرأنا ذلك عن طريق حدث تأريخي، أو رواية، أو قصة، أو مسرحية، فالأمر سيان، وعليه كل ما فعله العمل الدرامي أو المسرحي أنه نقل الخيال إلى جانب حسي يراه ويسمعه المشاهد لا أكثر ولا أقل.

المقدّمة الخامسة: قد يستشكل البعض في التلاعب بالرواية التأريخية والزيادة فيها، وهنا أوافق على هذه الإشكالية من حيث تحوير المسلسل إلى جانب مذهبي، أو ليحمل أفكارا لبرالية ونحوها، بل  يجب إعطاء القارئ الرواية التأريخية كما هي فيما لم تكن معارضة للسنن الكونية، أما التلاعب بالزيادة من أجل ترابط النص فهذا موجود حتى في القصة والمقامات والروايات التأريخية ذاتها.

المقدّمة السادسة: لا بد من مراعاة الجانب المكاني والتأريخي، والنظرة العربية والإسلامية في التمثيل، حتى ننقل الصورة للمشاهد، ثم نفتح له بابا للقراءة النقدية، لا أن يكون مجرد مشاهد لا يعي ما يشاهد.

المقدّمة السابعة: قد يقول قائل: إن الممثل أو الممثلة فاسق أو فاسقة ونحوها من التهم، هنا نحن مع العمل الدرامي لا مع محاسبة الأشخاص وتفسيقهم، هذا بيد الله تعالى وحده، والأصل أن المعارض عليه أن يسعى لإتيان البديل إن كان يعلم قلوب الناس وصلاحهم، والمشاهد لا يركز على هذا كثيرا بقدر التركيز على الحدث وقدرته على الإثارة مع إبداع الممثل ذاته.

المقدّمة الثامنة: لا ينبغي التعجل في التحليل والتحريم، وإضافة الأمر إلى الدين، بل ينبعي التأني في ذلك والحذر الشديد قدر الإمكان، والسعي إلى الرأي الجماعي الذي يحوي الفنانين والإعلاميين والمهتمين بالعمل الدرامي ذاته، بجانب الشرعيين وعلماء الاجتماع حتى تكون الفتوى ذات قوة، وشاملة لجميع أجزائها، فنحن نعاني للأسف من الفتاوى الفردية، والتي قد يكون المفتي لا يفقه شيئا في الفن وأساليبه، وإنما مجرد يفتي على ما يقال له، وذلك لأنه تنقصنا مراكز استراتيجية وبحوث علمية في المجال الشرعي ذاته.

عموما هذه أهم المقدمات التي نخلص بها أن الفلم كعمل فني لا بأس به، وتمثيل الشخصيات البارزة في الأمة، وتقديمها للأجيال عمل جيد جميل، ولكن أيضا يفتح الباب أيضا للنقد لا لمجرد المال والعرض، وعليه ينبغي أن تكون الفتاوى غير إقصائية، ولكن تنطلق من منطلق الانفتاح الذي يفرض نفسه بنفسه، من هنا لا بد من ضوابط مراعية لفكر الأمة العام، وأن يبعد بالفن عن الخلافات المذهبية والطائفية، وأن يكون العرض وفق السنن الكونية بعيدا عن الخرافة والروايات الأسطورية.

هذا ما أراة، وليعذرني الأخوة على الاختصار لضيق الوقت، وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

ملحق تجسيد النبي (ص)

وهذا لب الموضوع، وأساس الثرثرة[أي في المسرحية التي عرضت وفيها ظهر شخص بصورة النبي مع تغطية رأسه]، ولا أريد هنا أن أبين الخلاف الفقهي حوله، ففيه آراء متعددة بين مشدد ومرخص، والمرخص بين مظهر لوجهه أو ساتر، والكل ينطلق من رأيه، لعدم وجود الدليل، والرأي له ميدانه الواسع، لا يجوز لأحد أن يدعي رأيه هو الأصوب والأحسن قيلا.

ونحن هنا ارتأينا أن نأخذ بالرأي الوسط، وذلك لأنّ القصة القرآنية ذاتها تعتمد على أسس ثلاث: الجمال والخيال والحدث، فأنت عندما تقرأ قصة النبي موسى عليه السلام يبقى للنبي موسى مخيلة تتصوره في ذهنك يخالف مخيلة من يقرأه بجنبك، وهكذا في جميع الشخوص، بل جدك الخامس في مخيلتك غير عن الصورة التي في مخيلة أخيك.

والنبي عليه السلام بشر مثلنا له عينان ويدان ورجلان وجسد، ويمشي ويأكل ويضحك ويبكي كغيره من البشر، إلا أنه جاء برسالة خاتمة قويمة، فأنت تحاول تجسيد هذا النبي من خلال هذه الرسالة، فتصدق وتحسن وتخلص وتعمل وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كنحوه.

لذا أنّ الله سبحانه وتعالى خاطب نبيه كبشر، قال تعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا، أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا.

والعقلية هي العقلية لا تتغير، فأولئك لكون الرسول حيا بينهم، لم يخطر في بالهم أن يكون هذا البشر الذي يتصف بصفات البشر أن يكون رسولا، وهؤلاء نتيجة البعد الزمني، والموروثات الروائية والتأريخية لم يتصوروا في ذهنهم أن يكون مثلنا، فأولئك غالوا في الإجحاف، وهؤلاء غالوا في الإطراء، فتصور أولئك أن يكون الرسول غير محمد الذي ترعرع بين جنباتهم مشى وركض وشرب وأكل، وتصور هؤلاء أنّ الرسول كائنا آخر في صورة بشر، كما تصور النصارى المسيح ابن مريم في صورة الله سبحانه، لذا قال تعالى عن أولئك: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا.

لذا أخبر سبحانه أنّ هذا الرسول سيموت: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، وحذّر من الانقلاب على الأعقاب بعد وفاة الرسول، ولصق الرسالة بذات الرسول، وإشراكه مع الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.

وبين أنّ هذا الرسول سيسأل يوم القيامة شأنه كالبشر جميعا: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا.

وشاء الله أن يحفظ الرسالة الخاتمة بحفظ كتابه، فهو رسالة النبي عليه الصلاة والسلام، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.

وهذا لا ينقص شيئا من مكانة النبي، ولا أحد أيضا يزايد في حبه، بل الغلو فيه إنقاص له، ورفعه إلى منزلة الله تعالى، وإشراكه في الحساب والقضاء وعلم الغيب والشفاعات إشراك مع الله تعالى المتفرد بذلك وحده، وهو في حد ذاته إساءة للنبي عليه السلام، كما فعل النصارى مع المسيح ابن مريم: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا.

والإنسان بطبعه ينقل روايات قيلت عن النبي عليه الصلاة والسلام يظنها قطعا قالها النبي أو فعلها فيحاول تلقائيا يجسد بعض حركاتها كرفع السبابتين ونحوه، فهل هذا الفعل يسيء إليه عليه الصلاة والسلام؟!!!!

كما أنّ القاص والمربي قد يذكر بعض الروايات بطريقة تقرب إليهم الصورة، فيجسد النبي بحركات أو نغمات معينة، فهل في هذا إساءة للنبي عليه الصلاة والسلام؟!!!

كذلك بالنسبة للفنّ المسرحي أو التمثيلي أو الغنائي أو النحتي، فقد نأتي برمز لا نظهر منه شيئا فقط يرمز إلى كائن بشري يوما ما كان مثلنا نحن كذلك بنص القرآن، فقط يرسل بعض التعاليم الربانية، فهو نوع من التجسيد الروائي أو القصصي أو التأريخي لا غير، فأين الإساءة في هذا.

فالراوي عندما يقول: قال رسول الله: ثم يأتي بالرواية، هو يجسد النبي في حقيقته تجسيدا كلاميا، وكذلك القاص ونحوه.

الفرق بين هذا وذلك أنّ الفنون المعاصرة تختصر الطريق عن طريق الرموز لا غير، فلا يظنّ أحد أبدا أنّ هذا الرمز هو النبي أو الشخصية الممثلَة أبدا، وإنما يهتمون فقط بالحدث، وهو الركن الثالث من القصة القرآنية نفسها.

فنحن عندما وضعنا رمزا للنبي وقد تلقى الوحي مباشرة بالاستجابة، وبلغ رسالات ربه، وأنذر عشيرته الأقربين، وصبر على أذى أبي لهب، لا يظنّ أحد أنّ ذلك هو النبي أبدا.

والعجيب قال لي بعضهم: الأصل أن تظهر صوتا، طيب لو أظهرنا صوتا ألا يعرف الناس صوتي، وألا أكون بذلك قد جسدت النبي عليه السلام صوتا.

ومن المضحك قالوا لي: كيف يهتز النبي ويرتعش عندما يسمع صوت جبريل، وهذا ذاته ما قالته الروايات أنه يرتعد ويتصبب عرقا، وهذا نوع من أنواع سماع الوحي، وهو الذي ذكرته روايات السير والتأريخ والتفسير عندما سمع الوحي أول مرة، فنزلت سورة المدثر، ثم قال لي: هل النبي يهتز كهزة الزار؟ قلت له: وهل للنبي هزة أخرى تختلف عن هزة البشر!!! فهم في الحقيقة يتصورون النبي مخلوقا آخرا، وكائنا غير البشر، وأخشى أنهم يتصورون أنّ النبي يأكل من غير المكان الذي نأكل منه، وينظر من غير العين التي ننظر بها!!!

لهذا السبب الإساءة إلى رسالة النبي لا تحرك ساكنا، قلت لهم: أيهما أشد ما فعله الرسام الدنماركي بتصوير الرسول وفق المنظومة الإسلامية نفسها، فروايات التأريخ والحديث صورت النبي في صورة رجل شهواني جنسي دموي، وليس الوقت متسعا لي لأذكر نماذج لذلك، بينما دولنا تسيئ إلى رسالاته في أهم أركانها بالظلم والقمع وعدم العدل وسرقة الأموال ونهب بيت المسلمين وتسلط ذوي الجاه والنفوذ، وهذا تحرمه رسالة الله الخالدة، فلماذا كما ثرنا على الدنماركي لا نثور على من أساء لرسالة الله تعالى.

والدنماركي أساء إلى ذات الرسول وهؤلاء أساءوا إلى ذات الله تعالى، فأيهما أشدّ وأطغى؟!!!

قال لي: أنت أشد من الدنماركي، والدولة لم تسيء، فتبين لنا من هذا سبب تخلفنا ودعمنا للظلم، وعدم جدوى هذه الشريعة بهذه الصورة الهزيلة التي رسمها التأريخ في أبناء هذه الأمة، فلم تستطع أن تساير الجديد، ولا تفقه من حب نبيها إلا الأشكال والثانويات.

وفي المقابل قلت لهم ولغيرهم أنا أتقبل الرأي الآخر، وأحترمه، ولكن ليس لكم أن تزايدوا في حب النبي عليه الصلاة والسلام، وأن تسخروا من كل جديد، فافتحوا وحاوروا وانظروا.

ولكن للأسف الشديد تعودنا على تربية الإقصاء والقمع حتى في أبجديات الفكر، وللسياسة دور كبير في ذلك، لأنها لو كانت تطبق رسالات الله بحق لكان الحوار والنقد البناء من أولوياتها المهمة.

كتبه: بدر بن سالم بن حمدان العبري

ليلة الجمعة/ 6 رمضان 1433هـ

السابق
تراجع الخطاب الإباضي من الخطاب القرآني إلى خطاب أهل الحديث: كتاب الأجوبة المسكتة أنموذجا
التالي
الفتاوى المعاصرة والتساهل في لفظ التحليل والتحريم
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً