سؤال لأحد الجمعيات في تركيا، ورفض المسؤول ذكر اسمه تدوينا.
بدر العبريّ: الأستاذ الدّكتور العزيز المحترم م. ش
تحيّة مباركة، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
اعتذر عن ازعاجك المتكرر
وفي الحقيقة أريد أكتب مقالا موضوعيّا علميّا حول ما حدث في مبنى آيا صوفيا، بعيدا عن الأيدولوجيات والتّوجهات الذّاتيّة، ولي بعض الأسئلة مع الإشارة إليكم فيما يتعلّق بالشّأن التّركي، لكونكم تعيشون في تركيا.
بداية عندما حكم القضاء بإرجاع المسجد إلى آيا صوفيا على ماذا بني، وهل القضاء مستقل في قراره بعيدا عن القرار السّياسي، أم كان نتيجة ضغط للحزب الإسلامي الحاكم لكسب أكبر شعبيّة كما يشاع، وهل فعلا كان يوجد مصلى بالمتحف، ولم يتوقف الأذان؟
ثمّ ما نشر حول شراء محمّد الفاتح الكنيسة من الرّهبان من وثائق، هل هي صحيحة، وهل بني عليها في القضاء أيضا؟
وماذا تشكل آيا صوفيا للمسلمين والمسيحيين في تركيا؟ وما ارتباط أردوغان بها لأنّه قرار قضائي، أم تسويق سياسي كما يشاع ضدّه، وهل يوجد ردّات فعل سلبيّة من قبل جميع التّيارات العلمانيّة والإسلاميّة والمسيحيّة في تركيا ضدّ القرار، أم القضيّة عاديّة جدّا ضخمت في الخارج لأغراض سياسيّة ضد الحزب الحاكم الحالي؟ وكيف وضع المسيحين في إسطنبول خصوصا وكم نسبتهم تقريبا حاليا؟
عذرا دكتور على ازعاجك، فقط ليكون المقال موضوعيّا، وممكن الإجابة صوتيّا، وإن رأيتم بعضها غير مناسب للجواب فلكم الحق في ذلك، وأرسلت لكم من باب التّثبت، وعدم النّسبة الخاطئة إلى الغير.
دمت بود ومحبّة.
الجواب[1]: بداية على ماذا بني الحكم القضائي في تحويل آيا صوفيا؟ بداية أمر التّحويل أكبر من القضاء، يحتاج إلى توافقات سياسيّة معينة، حتى خارج الأطر التّركي كروسيا وأمريكا وأروبا، أو حدوث خلاف دولي حول قضيّة التّحويل، فلعبت السّياسة التّركيّة على أوتار التّحويل، واستثمرت هذا الخلاف لصالحها، وهذا يحسب لها أن تضيف هذا المجد لصالح الحكومة الحاليّة، ومع تأثير التّيارات الموافقة والمعارضة إلا أنّ القضاء التّركي لا زال محايدا.
طبعا الحزب الإسلامي أو الحزب الحاكم كان يحاول بكلّ وسيلة في إعادة آيا صوفيا إلى مسجد، ومدرك للأبعاد والمخاطر السّياسيّة لهذا التّحويل، فانتظر اللّحظة المناسبة، وليس في نظره أنسب من هذه اللّحظة لإعادته.
فالصّراع المسيحي – المسيحي ساعد في تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، فمن 2012م وحتى اليوم يوجد صراع كبير بين الكنيسة الشّرقيّة والكنيسة الغربيّة حول من يمثل المناطق والكنائس المسيحيّة في المشرق العربي، فهناك كنائس في المشرق لها ثقل كبير مثل كنيسة الحبشة وكنائس الأرمن في بلدة كسب في سوريّة، وكنائس دير الزّور، بجانب كنيسة القسطنطينية وأنطاكية، وأصل كلّ هذا كنائس القدس، وأصلها كنيسة القيامة، فروسيا حتى لمّا دخلت إلى سوريّة تريد كسب مشروعيّة الصّراع المسيحي أمام الغرب، وقد سيطرت على كنيسة الحبشة دينيّا، ودخلت في مفاوضات مع تركيا فيما يتعلّق بكنائس كسب، مقابل تسهيلات للتّرك في ليبيا، وفي عام 2018م طلبت الكنيسة القيصريّة في روسيا رسميّا من الكرسي الأرثوذكسي في إسطنبول أنّه يكون تابعا لروسيا، فردّوا بالرّفض محتجين بالأقدميّة، وكنائس موسكو في الأصل هي تابعة لنا، وكردّة فعل مدّ الكرسي الأرثوذكسي بعلاقات مباشرة مع روما نكاية بروسيا، فأصبح هنا صراع مسيحي – مسيحي، أرثوذكسي روسي – كاثوليكي غربي، أرثوذكسي روسي – أرثوذكسي تركي، وعليه روسيا وافقت على قرار التّحويل، كردّة فعل على الكرسي الأرثوذكسي في إسطنبول، حيث يتمّ قتل وإنهاء هذه الرّمزية لتوسع من سيطرتها على الكنائس في المشرق، خصوصا وأنّ روسيا ستعلن قريبا عن كرسي بابوي شرقيّ في موسكو يكون منافسا وأقوى من الكرسي البابوي في روما، وأمريكا وقفت على الحياد، وأروبا هي من اعترضت، ولكن كان موقفها ضعيفا جدّا، لهذا أدركت الحكومة التّركيّة هذا الخلاف السّياسي الكنسي، فاستغلت هذه الموقف لإعلانه في هذه الفترة.
والحكم القضائي ناقش هل التّوقيع الّذي وقعه كمال أتاتورك صحيح أم لا، أي في التّحويل من مسجد إلى متحف، وحكم القضاء أنّ التّوقيع مزور، مع أن تصريحات أتاتورك حينها لا يحتاج إلى توقيع، لكن هذا إخراج شكلي مرتبط بالقضاء، رغم بعده السّياسي، فمسألة التّوقيع والشّراء هي مسألة قانونيّة إجرائيّة لا أكثر.
وكان يوجد مصلّى في محيط آيا صوفيا وليس داخل الحرم الدّاخلي، تابع إداريّا لآيا صوفيا، والأذان لم يتوقف منذ فترة طويلة من منابر آيا صوفيا، وعموما في تركيا يطلع الأذان مسجلا وموحدا في جميع الجوامع الكبيرة، والتّسجيل أي شخص يؤذّن مركزيا فيبث عبر المكبرات الأساسيّة في المساجد الكبرى، فهذا الموضوع قديم يعود إلى ما بين عشر إلى عشرين سنة مضت.
أمّا شراء محمّد الفاتح الكنيسة من رهبان الكنيسة فشخصيّا وبعد متابعة وبحث لا أعتقد هذه الوثيقة صحيحة، ولكن أيضا لا يوجد لديّ ما ينفيها، وهذا يعود إثباته ونفيه إلى أرشيف السّلطة، ولو صحت ليست مهمّة.
والتّحويل من كنيسة إلى مسجد في عهد محمّد الفاتح في الحقيقة كانت نتيجة حرب عنوة وليس صلحا أو اتّفاقا، فليس مضطرا إلى الشّراء من الوقف الكنسي، وقد حوّل ثلاث عشرة كنيسة أساسيّة في القسطنطينيّة أو إسطنبول لاحقا، منها حوّلها إلى مساجد، ومنها أعطاها للمسيحيين الكاثوليك، حيث كان لا يوجد لديهم كنائس فيها لكونهم مسيحيين غربيين، وحوّل كنيستين إلى كنس لليهود، لأنّ عددها فائض بالنّسبة للأرثوذكس، وركّز الأمر على آيا صوفيا لأنّ له رمزيّة معينة.
وأمّا قيمة آيا صوفيا بالنّسبة للتّرك قوميّة أكثر منها إسلاميّة؛ صحيح تعاطف المسلمون مع التّحويل، لكن في تركيا له بعدان ديني وقومي، لكن البعد القومي أقوى أثرا من البعد الدّيني، فجماعة الحزب الحاكم، ومعهم القوميون الأتراك وليسوا اليساريين من جماعة أتاتورك يحاولون ربط كلّ ما يقومون به بالتّاريخ العثماني، ويرون أنفسهم امتدادا لهذا التّاريخ، ولمّا جاء أتاتورك، وكانت الدّولة العثمانيّة في حالة ضعف؛ عمل قطيعة مع التّاريخ، وحاول بدأ دولة تركيّة جديدة، ونهى ما له علاقة كاللّغة والدّين، ليصنع مجدا جديدا، لهذا عودة آيا صوفيا من النّاحية التّاريخيّة هو ربط القضيّة بالقوميّة التّركيّة، وخدم أوردغان بصورة كبيرة، فهو يعتبره إنجازا كبيرا سيسّجله التّاريخ، أمّا على الصّعيد الدّيني فأكثر ما يمثّله كجانب عاطفي، خصوصا تركيا تعمل حاليا لتكون الممثل للمسلمين في العالم، خصوصا بعد غياب وضعف الجانب السّعودي، لهذا تستثمر هذه العاطفة لمنحها القوّة عند الشّعوب، فلهذا يستثمر التّرك هذا التّغيير خارجيا.
[1] الجواب صوتي عن طريق الواتس، حوّلته كتابيّا، مع حذف السّلام والثّناء.