1435هـ/ 2015م
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
في هذا الشهر المبارك، شهر الله محرم، استقبلت الأمة شرقا وغربا العام الهجري الجديد، وقد ودعت عاما مضى بأحداثه وتقلباته، فحري بها وهي تستقبل العام الجديد لتعيش مع نبيها صلى الله عليه وسلم، فمن هو محمد يا عباد الله؟
محمد بن عبد الله، صلى الله عليه بكرة وعشية، وصفه ربه بأجمل عبارة، وأبلغ بيان، في أسلوب حصر بديع: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
إنه رسول الرحمة، رحمة بالإنسان، ورحمة بالجماد والحيوان، يسبُ ويبتسم، ويُقاتل فيعفو، ويخفض جناحه للفقير والصغير، والضّعيف والكبير…
حاشا محمد، ما كان شهوانيا يركض أمام الشهوة والمتاع الفاني … وما كان دمويا يسيل لعابه من أجل الدماء …. بل كان رحمة بالإنسان، كان متواضعا مخبتا، جاء بالعدل والرحمة، وبالتوحيد الصافي والمحبة، لم تحفظ الإنسانية أجمع في تاريخها أول دستور مدني كامل يحمي الناس في أديانهم ومللهم ونحلهم إلا دستور هذا الرسول عندما قدم المدينة، أقامه بين المشركين واليهود والمسلمين …
هذا الرسول أعطى الناس حرية العبادة، فلكل معبوده، وله حرية في طقوسه: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ…
أعطاهم حرية التوسل والتوجه إلى معبوداتهم، ونهى عن سبها وشتمها، فضلا عن الاستخفاف والاستهزاء بها: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ …
أمر في أول دعوته إلى القراءة والكتابة، وأعطى المرأة مكانتها واستقلالها المالي والإنساني، وأخرج الأمة العربية المتصارعة، والشعوب المتقاتلة إلى أمة واحدة متآلفة، يجمعها ذات الإنسان وأصله، أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى: وقال: أيها الناس، إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ….
لم يرسل عليه السلام متجهما متكبرا، بل كان مبتسما للمؤمن والكافر، والصغير والكبير، كان يسلم على الجميع، ويجلس مع الجميع، مؤذنه حبشي أسود فقير، قربه على غيره في رفع لواء التوحيد …
هذا محمد عليه السلام، فأين نحن من محمد، وأين نحن من رسالة محمد، ثم أين نحن من قرآن وكتاب الله المنزل على قلب محمد…
انظروا إلى أمتنا وهي تنتسب إلى رسالة محمد، أما ترونها تتصارع فيما بينها، وتزرع الشقاق بين أبنائها، فهذا يكفر ذاك، وآخر يلعن أخاه، لو كان محمد حيا بيننا أيرضى هذا لهذه الأمة، وهو رسول الرحمة، ونبي جميع الملة!!!
وانظروا إلى الدماء التي تسال بغير حق باسم رسالة محمد، كم من طفل مشرد في الأرض، وكم من يتيم يمد يديه فلا يجد ملاذا، آوتهم الكنائس بعد أن رفضتهم المساجد، وكم من أم تبيع عرضها لتوفر قوت أبنائها، وكم من شيخ هرم لم يرحموا ضعفه ولا مسكنته، أمم تعيش في القصور، وأطفال يقتلهم البرد والحر في خيم لا تليق بكرامة الإنسان ومكانته…
فمن نلوم إذا عباد الله، ومن يتحمل صورة تشويه هذه النبي، ورسالة النبي، أما آن أن نلوم أنفسنا، ونراجع واقعنا، وأن نبدأ بتغيير ذاتنا، وأن نستيقظ من نومنا…..
فمن هو محمد يا عباد الله … محمد هو الذي ينام مع الضعفاء وهو سيد القوم، يجالس الفقراء وهو أغنى من في الأرض، خادمه لم يغضب في وجهه قط، يداعب الأطفال، ويبتسم في وجوه الناس، يزور جاره اليهودي ويطمئن عليه ويساعده، يستقبل نصارى نجران في مسجد ويفرش لهم رداءه، يحاور المشركين ولا يسبهم …
لم يكن عليه السلام بطوليا بعضلاته بل كان بطوليا بخفض جناحه للجميع فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ … بل كان عليه السلام كما وصفه الله في أوجز بيان، وأبلغ عبارة وتبيان وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ …. إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.