حلقات الصّيام في الأديان على إذاعة مسقط أف أم
3 رمضان 1445هـ/ 14 مارس 2024م
الهندوسيّة نسبة إلى هندو، وقيل أطلقها عليهم الفرس، ويسمون أنفسهم الفيدس نسبة إلى الفيدا، وهو من كتبهم المقدّسة، وهي من أقدّم الدّيانات، وفلسفتها معقدة لتعدّد مذاهبها ورؤيتها، وتؤمن بوجود آلهة ماورائيّة، وتؤمن بالتّقمص والكرما والنّرَفانا أي التّرقي في الحياة، وهي من الدّيانات الرّوحيّة ذات البعد الغنوصيّ المبنيّ على التّأمل والصّمت والرّقيّ عن طريق الزّهد والتّقشف والعزلة، “فالبراهمان هو الإله، والنّاس أرواح بحاجة إلى البراهمان ويسمى أيضا كريشنا، فالإله روح، والبشر يجسّدون هذه الرّوح، فالعلاقة بين البشر والخالق هي علاقة روحيّة”[1].
“والرّوح موجودة في الحيوانات والإنسان، وهذه الرّوح تعود وتتطوّر، من عالم الحشرات فالنّباتات فالأسماك، ثمّ روح الحيوانات حيث تتطور إلى روح الإنسان، وروح الإنسان إذا عمل صالحا روحه تتطور لتصل إلى الدّيفس وهي مرتبة بين الإله والإنسان، والعكس إذا عمل سيئا فروحه ترجع إلى عالم الحيوانات كالكلب مثلا، والرّوح شيء مقدّس وأبدي لم تولد، بينما الجسد يفنى”[2].
ويرون البقرة شيئا مقدّسا عندهم، بيد أنّها ليست آلهة، “والبقرة والإنسان متناغمان في الطّبيعة، فالحياة تبنى على البساطة، وهذا يكون إذا تعايش مع البقر، فالثّور يخدمه في مزرعته، والبقرة تعطيه الحليب، ومنه يصنع الألبان والجبن والزّبد، فلهذا لا تقتل أو يؤكل لحمها عندهم”[3].
وبما أنّ الدّيانة الهندوسيّة ديانة روحيّة، قائمة على التّقشف والتّأمل، لهذا الصّيام حاضر فيها، وإن لم يكن بالصّورة الطّقسيّة التّقليديّة كما في عموم الأديان الإبراهيميّة، في الهندوسيّة الصّيام عن الكلام أو الصّمت والصّيام عن الطّعام والشّراب لفترة طويلة، وللكهنة أنواع عديدة من الصّيام، وهو الصّيام الخاص، حيث يكون طويلا وقاسيا معا، وعندهم أنواع عديدة من الصّيام “كصوم براك حيث يصوم ثلاثة أيام متوالية، ومنهم من يصوم من الغروب إلى طلوع الشّمس ومن اليوم التّاليّ”[4]، ولتعدّد الفلسفات والطّقوس في الهندوسيّة يتعدّد الصّيام، وقد يؤدّي صيام بعض الرّهبان إلى الموت تقربا للإله، والصّيام لديهم ليس فرضا، ويكون مرتبطا بالصّمت والتّأمل والتّفكر، وصوم الكهنة طويل، وبما “أنّ الأعياد الدّينيّة كثيرة في الهند، وفيها غالبا يصومون ويقدّمون عبادة خاصّة”[5]، “فالصّيام يمنح الطّهارة الدّاخليّة، والولائم الّتي تقام بعده تنمي الإحساس الاجتماعيّ”[6]، وعند طائفة الفيدس منهم “الصّيام عندهم حسب الاستطاعة، صام أسبوعين في الشّهر أو بعض الأيام، وحتى نصف يوم، ويتوقفون في اليوم لمدّة أربع وعشرين ساعة عن الطّعام”[7]، وعند آخرين أقلّ أو أكثر من ذلك، ومنهم نباتيون يصومون عن اللّحوم، ويذكر أبو الحسن النّدويّ (ت 1420هـ/ 1999م) “أنّ كلّ طائفة من الطّوائف الهندوسيّة تخصّص لنفسها أياماً تقضيها في الدّعاء والعبادة، ويصومها أكثر أفرادها كذلك، فيكفون عن الطّعام، ويسهرون اللّيل كلّه، ويبيتون يتلون الكتاب المقدّس، ومن أعم هذا الصّيام، وأكثره انتشاراً في الطّوائف المختلفة (ويكنته إيكاوشي) الذي يُنسب إلى (وشنو) فلا يصوم ذلك اليوم أتباع (وشنو) فحسب، بل يصومه أكثر النّاس، فيصومون نهاره، ويسهرون ليله”[8]، وذكر أيضا “أنّهم يصومون في اليوم الحادي عشر والثّاني عشر من كلّ شهر هندي، وهكذا يبلغ عدد الأيام التي تصام عند البراهمة أربعا وعشرين يوماً في كلّ سنة”[9].
[1] العبريّ: بدر، التّعارف تعريف بالذّات ومعرفة للآخر؛ ط الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء، عمان – مسقط، والآن ناشرون وموزعون، الأردن – عمّان، الطّبعة الأولى، 2022م، ص: 32، من خلال اللّقاء مع الرّاهب الهندوسيّ أتشاريا. بتصرّف.
[2] نفسه، ص: 34.
[3] نفسه، ص: 33. بتصرّف.
[4] إبراهيم: مختار حضر حسن، مقالة الصّيام في الأديان؛ سابق، ص: 304. (بتصرّف).
[5] نيخيلاناندا: سوامي، الهندوسيّة تحضيرها لانعتاق الرّوح؛ ترجمة: نبيل محسن، ط ورد للطّباعة والنّشر والتّوزيع، سوريّة – دمشق، الطّبعة الأولى، 2000م، ص: 180.
[6] نفسه، ص: 180.
[7] العبريّ: بدر، التّعارف تعريف بالذّات ومعرفة للآخر؛ سابق، ص: 34.
[8] الشّريف: محمّد بن حسن، مقالات الإسلاميين في شهر رمضان؛ ط دار الأندلس الخضراء، السّعوديّة – جدّة، الطّبعة الأولى، 1422هـ/ 2001م، ص: 141.
[9] نفسه، ص: 142.