المقالات الدينية

الحلقة الرّابعة: الصّيام في البوذيّة

حلقات الصّيام في الأديان على إذاعة مسقط أف أم

4 رمضان 1445هـ/ 15 مارس 2024م

البوذيّة ديانة نشأت في الهند قبل ألفين وستمائة سنة، حيث نشأت على يد سيدهارتا بوذا، وكان صاحب سلطة وغنى، فترك ذلك واهتمّ بالأمور البشريّة، وانتشرت هذه الدّيانة في كوريا واليابان والصّين، وهي منبثقة من الهندوسيّة، وجاء بوذا لإصلاح الهندوسيّة، لذا أنكر من البداية تعدّد الآلهة، كما لا تؤمن بوجود آلهة ماورائيّة، ولا تنكر ذلك في الوقت نفسه، وترى “أنّ استهداء الإنسان في فهم طبيعة الوجود وسبل ارتقائه في إنسانيّته أمر مرهون بعمليّة رياضيّة ذاتيّة”[1]، وأنكروا فلسفة أنّ “الآلهة تتحكم في تصرفات الإنسان، فالإنسان هو من يتحكّم في نفسه، وهو مسؤول عن تصرفاته، وبوذا إنسان طبيعيّ ليس نبيا، فهو إنسان ترك السّلطة والمال، واختلى بتربية نفسه حتى وصل إلى درجة كبيرة من الكمال الإنسانيّ، حيث دخل في حال تأمّلي عميق امتدّ ست سنوات من الاعتكاف في عزلة في غابة كثيفة، وقد تخلّص من الكراهيّة والأنانيّة والحقد، وأصبح قلبه مليئا بالحبّ للآخر، وبالأخلاق الفاضة، فالبوذيّة هي تربية للنّفس الإنسانيّة، والنّفس طبيعتها الخطيئة وليس الكمال لذا يحاولون تقيلد بوذا في الارتقاء بهذه النّفس البشريّة، وشيئا فشيئا ترتفع إلى درجة الكمال”[2].

وإذا كان الهندوس يقدّسون البقرة لا تأليها، فكذلك العديد من البوذيين يقدّسون الأرز لا تأليها أيضا، ومن هنا عيد الأرز، وهو “ليس طقسا دينيّا في حقيقته، وإنّما هو اعتراف بنعمة الأرز، وأنّه سبب لحياة العديد من البشر، يحتفلون به في ديسمبر من كلّ عام، ويصنعون من الأرز كعكا يدّخرونه إلى اليوم المحتفى فيه، فيأكلونه مع الأصدقاء والأهل، وأمّا عيد الرّقص فيرقصون مع الأموات لاعتقادهم بموت الإنسان يرجع إلى تكوينه الأول في وحدة الوجود أي بوذا”[3].

وبما أنّ البوذيّة منبثقة من الهندوسيّة، وهي من أقرب الدّيانات لها، بقت أيضا ديانة روحيّة، وتتوافق مع الهندوسيّة أنّ روح كلّ إنسان جزءا من الرّوح الكونيّة، لذا إليها تعود روح كلّ شخص بعد موته، وفي الحياة تسعى إلى الرّقيّ الرّوحيّ من خلال على التّقشف والزّهد والتّأمل والصّمت، لهذا صيامهم أيضا مقرون بالتّأمل والصّمت، وعندهم صيام الرّهبان، وهو أقرب إلى إيذاء النّفس، والتّقشف في الحياة، لأجل الارتقاء فيها، ومن الرّهبان التّيرفادا أي العربة الصّغيرة، وهؤلاء يصومون عن الطّعام حتّى ينحلون، ويعذّبون أنفسهم تأسيّا ببوذا، وعند مذهب منهم “أنّ أهل المتوفى يصومون تسعة وأربعين يوما، ويكون الصّيام عن اللّحوم، كما يكون الصّيام بينه وبين نفسه، ولا يظهره للنّاس”[4].


[1] العبريّ: بدر، الإنسان والماهيّة: محاورات في الدّين والفلسفة والشّأن الإنسانيّ مع المفكر صادق جواد سليمان، سابق، ص: 105.

[2] العبريّ: بدر، التّعارف تعريف بالذّات ومعرفة للآخر؛ سابق، ص: 27 – 28.

[3] نفسه، ص: 29 – 30.

[4] نفسه، ص: 29.

السابق
الحلقة الثّالثة: الصّيام في الهندوسيّة
التالي
الحلقة الخامسة: الصّيام في الجينيّة والسّيخيّة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً