المقالات التأريخية

الزّيديّة والإباضيّة .. المشترك والمختلف: “النّشأة والتّوحيد والصّلاة نموذجا”

الدّارس للمدرستين الإباضيّة والزّيديّة يجد المشتركات الكبيرة والمتداخلة من حيث النّشأة والتّصور والعمل، ولا أبالغ إن قلت إنّ المشترك بين المدرستين يتجاوز التّسعين بالمائة في خطّه الأفقيّ العام، وطبيعة الحال لست هنا في مجال ذكر الشّواهد والتّفريعات، فهذا يحتاج إلى بحث خاص.

فالمدرستان الزّيديّة والإباضيّة من المدارس المتكوّنة تصوّرا وعملا في فترة مبكرة جدّا، فنسبة الزّيديّة إلى الإمام زيد بن عليّ المتوفى 122هـ، ونسبة الإباضيّة إلى عبد الله بن أباض المتوفى 86هـ، حيث تكوّنت المدرستان في القرن الأول والثّاني من الهجرة الشّريفة.

كما أنّ المدرستين خرجتا من المدرسة العلويّة – أي عليّ بن أبي طالب [ت 40 هـ] -، فكلاهما من أنصار الإمام عليّ ضدّ الخليفة معاوية بن أبي سفيان [ت 60هـ]، إلا أنّ الخلاف وقع بعد قبول عليّ بالتّحكيم، فرأى فريق من جماعة الإمام عليّ الرّفض؛ لأنّ عليّا اختير بعد مقتل عثمان [35هـ] عن طريق الشّورى، واختاره المسلمون إماما وخليفة لهم، فإذا وافق على التّحكيم فقد نزع نفسه، ولأنّ معاوية ومن معه خرجوا على جماعة المسلمين فعليهم الفيء إلى الجماعة، والصّلح يكون برجوعهم إلى جماعة المسلمين تحت ولاية وخلافة عليّ بن أبي طالب، لهذا انعزلوا في منطقة حروراء بالكوفة، ورأوا بخروج الإمام عليّ وموافقته للتّحكيم أصبحت الأمّة بلا إمام؛ وعليه بايعوا في العاشر من شوال 37هـ عبد الله بن وهب الرّاسبيّ [ت 38هـ] إماما لهم، حتّى حدثت حادثة النّهروان سنة 38هـ، وهنا تختلف الرّواية الإباضيّة عن غيرها، حيث الرّواية عندهم أنّهم خرجوا عن عليّ، وجيش عليّ هو من ابتدأ قتالهم، بيد روايات الآخرين تقول إنّهم خرجوا عليه، ولا يهمنا التّحقيق في هذا لعدم فائدته، ولعادة الكذب والتّهويل والتّحقير في روايات الحروب والمغازي، كيف لا وقد كتبها المنتصر والمتغلّب، فقتل أغلب أهل النّهروان، فدخلت المحكمة في طور الكتمان، وخرجوا وفق مرحلة الشّراء مع أبي بلال مرداس بن حدير [ت 60هـ]، وقرّروا عدم القتال إلا من ابتدأهم بذلك؛ فأرسل عبيد الله بن زياد [ت 67هـ] والي يزيد بن معاوية [ت 64هـ] جيشا بقيادة عبّاد بن أخضر [ت ؟]، حيث قتلهم جميعا في آسك قرب البصرة سنة 61هـ، وقد حدثت انشقاقات في هذه المرحلة في المحكمة، ومال الإباضيّة إلى القعود والكتمان، حتّى تطوّر الجانب السّياسيّ في عهد أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة [ت 150هـ] تلميذ جابر بن زيد [ت 93هـ]، فقاموا بثورات ضدّ الدّولة الأمويّة ومن ثمّ العباسيّة فكوّنوا أنظمة إباضيّة في عُمان وخراسان واليمن والحجاز وبلاد المغرب، منها فشل سريعا، ومنها بقي إلى وقت قريب.

وبقتل أغلب أهل النّهروان جرت الحمية في دم عبد الرّحمن بن ملجم [ت 40هـ] فقَتَلَ الإمام عليّ بن أبي طالب سنة 40هـ، وما نسب إليه من قتل يحتاج إلى تحقيق، ثمّ أنّ شخصيّة ابن ملجم شخصيّة عابرة، وربما السّلطة المتغلبة هي من قتلت عليّا، ونسبت القتل إلى رجل نسب إلى هؤلاء.

وفي الجملة الإباضيّة يجلّون الإمام عليّا، ويعتبرونه إماما وقدوة لهم، ومن رواتهم، ويتيمنون بتسمية أبنائهم ومساجدهم به، وما حدث من كلام في بعض التّراث الإباضيّ ككتابات السّير فلا يخرج عن الجانب السّياسيّ، إلا أنّهم خرجوا من هذا الأمر في جملتهم، ووقفوا عند قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة/ 134]، وقوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء/ 36].

فالإباضيّة في الإمامة بكريون وعمريون، يرون ذلك في جملة المسلمين ولا يخصونها في قريش، فهي حق للجميع ولو كان عبدا حبشيّا[1]، وكوّنوا على هذا دولتهم في المشرق والمغرب باعتبار الشّورى بين أهل الحل والعقد، واختيار أفضلهم ليكون إماما حسب الظّرفيّة الزّمانيّة، ومع هذا في العديد من الفترات يتحوّل هذا إلى الجانب الوراثيّ كما في دولة اليعاربة.

أمّا الزّيديّة فمع كونهم من نفس المدرسة العلويّة، إلا أنّهم يرون الإمامة شورى في آل البيت من ذريّة البطنين، ويرون الإمامة لعليّ بن أبي طالب بعد وفاة الرّسول الأكرم – صلّى الله عليه وآله وسلّم -، ومن بعده ابنيه الحسن [ت 49هـ] والحسين [ت 61هـ]، ومن بعهدهما الإمام السّجاد أو زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب [ت 95هـ]، وبعدها في ابنه زيد بن عليّ، ثمّ في ابنه يحيى ابن زيد [ت 125هـ]، وبعدها في الإمامين محمّد بن عبد الله بن الحسن [ت 145هـ]، وأخيه إبراهيم [ت 145هـ]، ولم يظهر الأمر بعدها إلا على يدي ناصر الدّين الحسن بن عليّ الأطروش [ت 304هـ] في طبرستان والدّيلم شمال إيران.

فجمهورهم يرى أنّ أصل الإمامة بالنّص الخفيّ لعليّ بن أبي طالب وابنيه، وهم معصومون عن الكبائر، عدا الجاروديّة منهم فيرون كالإماميّة أنّها بالنّص الجليّ، لذا يكفرون أبا بكر وعمر، أمّا جمهور الزّيديّة فلا يكفرونهم ولا يفسقونهم، وعليه يرون جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل، فهنا يشترك الإباضيّة مع الزّيديّة في إجلال أبي بكر وعمر، وموقفهم سلبيّ في الفترة الأخيرة من عثمان، ومن معاوية وعمرو بن العاص [ت 43هـ] وأبي موسى الأشعريّ [ت 44هـ]، كما يقدّرون عائشة [ت 58هـ] وطلحة [ت 36هـ] والزّبير [ت 36هـ]، وإن كانوا ينكرون خروجهم في الجمل، والإباضيّة لا يرون العصمة لأحد غير أنبياء الله تعالى فقط، كما يجلّون أهل النّهروان، بيد أنّ الزّيديّة يتبرأون منهم، وبعضهم – كالجاروديّة – يكفرهم.

ويشترك الزّيديّة مع الإباضيّة في الشّورى؛ إلا أنّ الزّيديّة يخصونها في البطنين من آل البيت، والإباضيّة يرونها عامّة في المسلمين، وإن كان عبدا حبشيّا.

ويعتبر التّطبيق الزّيديّ والإباضيّ في الإمامة من أقدم التّطبيقات، واستمر لفترة طويلة مع انقطاعات، فآخر إمام زيديّ الإمام البدر ابن أحمد بن يحيى حميد الدّين [ت 1996م]، وآخر إمام إباضيّ الإمام غالب بن عليّ الهنائيّ [ت 2009م]، وسقطت الإمامة الزّيديّة عام 1962م، وسقطت الإمامة الإباضيّة – على الأشهر – بعد حرب الجبل الأخضر عام 1959م، وكلا الإمامين ذهبا إلى المملكة العربيّة السّعوديّة.

وبدأ الفكر الإماميّ والثّوريّ عند الإباضيّة والزّيديّة من العراق، وأصبحت اليمن مركز الفكر والإمامة الزّيديّة، وعُمان مركز الفكر والإمامة الإباضيّة، لبعد المكانين عن مركز الخلافة، مع امتداد ووجود الإمامتين في فترات في خراسان والحجاز واليمن وبلاد المغرب.

وفي الأصول يشترك الإباضيّة مع الزّيديّة من حيث التّكوين في المصدر الحديثيّ والفقهيّ، وفي العمل، أمّا المصدر فعند الإباضيّة مسند الإمام الرّبيع بن حبيب [ت بين 171 – 180هـ] عن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة [ت 150هـ]، عن جابر بن زيد [ت 93هـ] عن صحابة رسول الله تصريحا أو بلاغا، عن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم-، وعند الزّيديّة من طريق أبي خالد الواسطي [ت 233هـ] يرويه عن زيد بن عليّ عن أبيه عن الحسين عن أبيه عليّ بن أبي طالب عن رسول الله – صلّى الله عليه وآله وسلّم -، فيشترك المسندان في الأسبقيّة، وقلّة الرّواية، وظهور الرّوايات الفقهيّة بصورة كبيرة، كما في موطأ الإمام مالك بن أنس [ت 179هـ]، مع ظهور رسائل قبلهما عند الفريقين.

وأمّا العمل فيرى الإباضيّة أهميّة عمل المسلمين، أو آثارهم، وأثره على الرّواية، وكذا الحال عند الزّيديّة ما يسمى بعمل العترة، وأيضا عند المالكيّة بعمل أهل المدينة[2].

وتشترك المدرستان في الأدلّة الأصوليّة كغالب المدارس الإسلاميّة: القرآن والسّنة والإجماع والقياس والاستحسان والاستصحاب وشرع من قبلنا، ونحوها على تفصيل في بعضها أو أجزائها، فيخالفان الإماميّة والظّاهريّة في اعتبار القياس ليس من الأدلّة، ويوافقان في اعتباره المدارس الأصوليّة السّنيّة، بيد أنّ الزّيديّة ترى العقل مقدّما على النّقل، أو هو أول الأدلّة كمشهور المعتزلة، خلافا لمشهور الإباضيّة فهم أقرب إلى الأشاعرة في هذا، وكذا في قضيّة التّحسين والتّقبيح العقليين في الجملة.

ويتفق الفريقان في الاجتهاد، وأنّه لم يتوقف في عصر من العصور، إلا أنّ شرائطه عند الإباضيّة كشرائط الأشاعرة وأهل الحديث، ويقسّمونه مثلهم إلى مطلق وجزئيّ، ولا يوجبونه إلا على المقتدر الجامع لشرائط الاجتهاد، وما عداهم فهو مقلّد، خلاف مشهور الزّيديّة فيوجبون الاجتهاد على الجميع في الأصل، ولا يوجد لدى المدرستين التّقعيد الإماميّ في المرجعيّة والتّقليد، واشتراط تقليد الحيّ عند جمهور المتأخرين من الإماميّة، فعند المدرستين الأمر أوسع بكثير، كسائر المدارس السّنيّة.

وتقترب المدرستان من الفكر الاعتزاليّ في الاعتقاد، ومن الفكر السّنيّ في الرّوايات والفروع، حيث دخلت الرّوايات السّنيّة بكثرة إلى الإباضيّة والزّيديّة على مرور التّأريخ، وحدث انفتاح فيهما، خلاف روايات المدرسة الإماميّة، فوقفوا معها بسلبيّة، مع وجود الخصوصيات المشتركة لدى المدرستين بسبب قاعدة عمل المسلمين أو العترة.

والزّيديّة حافظوا على الأصول الخمسة عند المعتزلة: العدل، والتّوحيد، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، إلا أنّ الإباضيّة لا يختلفون عنهم إلا في المنزلة بين المنزلتين، فليس عندهم منزلة بين المنزلتين: فالنّاس إمّا مؤمن أو كافر، والكفر إمّا كفر نعمة أو كفر ملّة، وفي الجملة الخلاف بينهم أقرب إلى اللّفظ منه إلى المعنى في هذا، وبعض الزّيديّة يضيف الإمامة، وهو تأثر بالفكر الإماميّ، إذ يجعلون الإمامة من أصول الدّين أو المذهب، إلا أن المشهور عند الزّيديّة كالإباضيّة أنّها من فروع الدّين أو المذهب، وإن درج غالبا ذكرها في كتب أصول الدّين أو علم الكلام.

وعلى هذا تشترك المدرستان في تأويل الصّفات، وأن الصّفات الذّاتيّة هي عين الذّات، ويرفضون الجبر والتّشبيه، وينكرون نظريّة البداء على الله تعالى، وأنّ الله علمه أزليّ مهيمن على كلّ شيء، وأنّه لا يرى في الدّنيا والآخرة، وأنّ الله متكلّم بكلام غير مخلوق، وأنّ القرآن من حيث الحروف والأصوات لا الكلام النّفسيّ هو مخلوق، وأنّ الله لا يبطل وعده ووعيده، والمكذب وصاحب الكبيرة مخلّد في النّار، وأنّه لا شفاعة لمن حق عليه الوعيد، ولا خروج من النّار.

بيد أنّ الزّيديّة يرون الشّفاعة لمن استوت حسناتهم وسيئاتهم، إلا أنّ الإباضيّة يرون هنا الإحباط، فالسّيئات من الكبائر تحبط الحسنات وإن كانت أقل أو متساوية، إلا عند بعض المتأخرين من الإصلاحيين في المغرب من الإباضيّة مال إلى قول الزّيديّة في التّساوي، ويتفق الفريقان في أنّ الشّفاعة تكون وقت المحشر قبل الحساب، سألوها ليرتاحوا من هول المحشر، ولمن قلّت درجاته في الجنّة ليرفع الله له الدّرجة.

وفي مسائل الفروع فيثبت الفريقان في الجملة عذاب القبر، ومنكره لا يفسّق، ولا يثبتون ما ذكر فيها من أحداث لأنّها آحاد، ويثبت الزّيديّة الميزان وجسر الصّراط، ولا يفسّقون منكره، وينفي ذلك الإباضّية ولا يفسّقون مثبته، ولا يجعلون المعراج من قضايا الاعتقاد، والعديد من المعجزات المنسوبة إلى النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – عن طريق الآحاد، عدا معجزة القرآن الكريم.

وفي الجملة يثبتون الاعتقاد عن طريق القطع لا الظّن، فيخرجون المشهور والآحاد، إلا أنّ الزّيديّة توسّعوا في المتواتر كروايات الإمامة، ولا يكاد تجد متواترا في الاعتقاد عند الإباضيّة، ويرون جميع الرّوايات في الإمامة والرّؤية والخروج آحادا لا ينطبق عليها التّواتر، فهم قرآنيون جملة في المعتقد.

وفي الفروع يرون نجاسة القيء والمشرك، مع الخلاف في نجاسة المشرك معنويّا وماديّا، أو معنويّا فقط، ويرون نجاسة الدّم، ويجيزون الاستجمار عوضا عن الماء خلاف الإباضيّة، حيث المشارقة يرون سنيّة الاستجمار ولا يجزي به مع وجود الماء، وأمّا المغاربة فيرون وجوب الاستجمار والماء معا، ويرون وجوب التّسمية في الوضوء، ووجوب النّية، وجواز التّلفظ بها، ووجوب المضمضة والاستنشاق، ووجوب غسل القدمين ولا يجزي المسح خلافا للإماميّة، والغسل مذهب المذاهب الأربعة والظّاهريّة أيضا، ويوجبون تخليل الأصابع والتّرتيب بين الأعضاء في الجملة، ويستحسنون مسح الرّقبة إكمالا للفضل والطّهارة، والتّلفظ عند كلّ عضو في الوضوء، ويمسحون الوجه واليدين في التّيمم بضربتين وهو الأشهر عندهم أو ضربة واحدة، وأنّ أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة، والمستحاضة لها حكم ما قبلها حيضا أو طهرا، ولا حدّ أقل للنّفاس وأكثره أربعون يوما.

والصّلاة لها خمس أوقات، ووقت المغرب بغروب قرص من الشّمس، ووقت العشاء بظهور الشّفق الأحمر، خلافا لأكثر الإماميّة، وآخر العشاء منتصف اللّيل أو ثلثه أو طلوع الفجر أقوال، ويجيزون الجمع الاضطراريّ بين الظّهر والعصر في أول الظّهر أو آخر العصر أو ما بينهما، وكذا الجمع بين المغرب والعشاء، ولا يقولون في الأذان الصّلاة خير من النّوم خلافا للمدارس السّنيّة، بيد أنّ الزّيديّة كالإماميّة يقولون: حيّ على خير العمل، والإباضيّة كالسّنية لا يقولون بذلك، ولا يضيف المدرستان كالمدارس السّنيّة والمتقدّمين عند الإماميّة: أشهد أنّ عليّا وليّ الله خلافا لبعض الإماميّة المتأخرين، وألفاظ الأذان خمسة عشر، إلا أنّ الإباضيّة يربعون الله أكبر الأولى، والزّيديّة يثنون.

ويوجهون قبل تكبيرة الإحرام، والمعمول عند الإباضيّة الاستعاذة بعد التّكبيرة وقبل القراءة، وعند الزّيديّة قبل التّوجيه، والزّيديّة يقرأون كالمدارس السّنية والإماميّة في الركعتين الأوليتين من الظّهر والعصر الفاتحةَ وسورة، والإباضية يقرأون الفاتحة فقط في جميع ركعات الصّلوات السّريّة، والزّيديّة يقولون في الرّكوع كالإماميّة: سبحان الله العظيم وبحمده، وفي السّجود: سبحان الله الأعلى وبحمده، والإباضية كالسّنيّة يقولون في الرّكوع: سبحان ربيّ العظيم، وفي السّجود: سبحان ربيّ الأعلى، ويشترك الإباضيّة والزّيديّة مع السّنيّة في قول: ربنا ولك الحمد عقب سمع الله لمن حمده خلافا للإماميّة، والإباضيّة في نطق التّشهد أقرب إلى المدارس السّنيّة: التّحيات المباركات لله والصّلوات الطّيبات أو والطّيبات، ثمّ الإتيان بالتّشهد والصّلاة الإبراهيميّة، والزّيديّة أقرب إلى الإماميّة: بسم الله، وبالله، والحمد لله، والأسماء الحسنى كلّها لله، ثمّ الإتيان بالتّشهد والصّلاة الإبراهيميّة، والمعمول عند الإباضيّة المتقدّمين قول بعد الصّلاة المحمدّية: أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون، ربنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار، والزّيديّة يقنتون في الفجر كالشّافعيّة وفي الوتر كالحنابلة، وذلك عقب آخر ركوع من الصّلاة، شريطة أن يكون من القرآن، والإباضيّة لا يقنتون مطلقا، ويرون القنوت هو الخشوع، وترى المدرسة الزيّدية التّسليم مرتين في الصّلاة كأغلب السّنيّة: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته خلاف الإباضيّة وبعض السّنيّة حيث يسلّمون مرة واحدة على تفصيل ليس هنا محلّه، ولا ترى المدرستان التّأمين في الصّلاة عقب الفاتحة، ولا الضّم، مع وجود خلاف عند الزّيديّة في الرّفع، وأن يكون عندهم قبل تكبيرة الإحرام.

ويرى جمهور المدرستين أنّ صلاة الجماعة سنّة مؤكدة، والإباضيّة يجيزون الصّلاة خلف الفاجر كالمدارس السّنيّة خلاف الزيّديّة فلا يجيزون كالإماميّة، والمدرستان لا تجيز صلاة المفترض خلف المتنفل، ولا يجيزون كغيرهم إمامة المرأة بالرّجل، ويرون سجود السّهو سجدتين كسجود الصّلاة، ويكون بعد التّسليم والخروج من الصلاة عند جمهورهم، إلا أنّ الزّيديّة يسلّمون بعد سجود السّهو خلاف الإباضيّة.

ويتفق الإباضيّة مع الزّيديّة لوجوب الجمعة مع وجود الإمام العادل، وقال بعض الزّيديّة المراد به إمام الصّلاة، واشترط الإباضيّة خلافا للزّيديّة المصر أو التّمصير، والمعمول به اليوم عند الإباضيّة كالزّيديّة، وعند الإباضيّة تسقط الجمعة عن المسافر ولو استقر خلافا للزّيديّة إذا كان مستقرا أو نازلا، وعند المدرستين لا تصح الجمعة في مسجدين متقاربين، والمشهور عند الإباضيّة خطبة واحدة خلافا للزّيديّة عندهم خطبتان كالمدارس السّنيّة والإماميّة، إلا أنّ المعمول عند الإباضيّة الآن خطبتان.

وقصر الصّلاة في السّفر عند المدرستين عزيمة لا رخصة، فيجب القصر عند المدرستين بالخروج من أميال وطنه، وقيل عند الإباضيّة من بيته أو مسجده أو بالنّية، إلا أنّ المعمول به الآن عندهم كالزّيديّة، وعند الإباضيّة إذا جاوز فرسخين أي اثني عشر كيلو، وقيل ثمانية عشر كيلو بالقياس الهاشميّ، والمعمول به الأول، وعند الزّيديّة أربعة فراسخ أي واحد وعشرين كيلو، وإذا عزم الإقامة عند الزّيديّة عشرة أيام في مكان يقصر فيه فإنّه يتم بعدها، وإذا لم يعزم يتمّ بعد مضي شهر، وعند الإباضيّة لا يصح له الإتمام ما لم يوطن توطينا دائما.

وصلاة العيد عند الإباضيّة سنّة مؤكدة لا يلزم قضاؤها، ويجب على البعض إظهارها وإتيانها إظهارا لشعيرة المسلمين، وعند الزّيديّة فرض عين على الرّجال والنّساء المكلفين، ويجب قضاؤها، وعند الإباضيّة المعمول به ثلاث عشرة تكبيرة، وعند الزّيديّة كأهل الحديث اثنتي عشرة تكبيرة، وعند الإباضيّة يخطب الإمام بعد الصّلاة خطبة واحدة، وعند الزّيديّة يخطب خطبتين.

وصلاة الخسوف والكسوف عند المدرستين ركعتان، إلا أنّه عند الإباضيّة المعمول به كالمدارس السّنيّة في كلّ ركعة ركوعان، أمّا في المدرسّة الزّيديّة في كلّ ركعة خمس ركوع، وعند المدرستين تصح جماعة وفرادى، والأولى جماعة.

وأمّا صلاة الاستسقاء عند الإباضيّة كالمدارس السّنيّة ركعتان، وعند الزّيدية أربع ركعات يفصل بينها، وتكون جماعة، وعند الإباضيّة كالسّنيّة يخطب بعدها ويدعو ويستغفر، وعند الزّيديّة يقرأ لهم سورة يس وآخر البقرة ثمّ يدعو ويستغفر.

وصلاة الميّت عند الإباضيّة كالمدارس السّنيّة أربع تكبيرات، وعند الزّيديّة كالمدرسة الإماميّة خمس تكبيرات، وعند المدرستين بلا ركوع ولا سجود، وعند الإباضيّة يخرج بتسليم واحد كالسّنيّة، وعند الزّيديّة بتسليمتين، وكذا عند الإباضيّة كالمدارس السّنيّة المعمول به الآن أن يقف الإمام عند رأس الرّجل المتوفى، ووسط المرأة المتوفية، وعند الزّيديّة باتجاه سرّة الرّجل وثدي المرأة المتوفية، والمشهور عند الإباضيّة أن يقرأ بعد التّكبيرتين الأولى والثّانية الفاتحة، وبعد الثّالثة يصلّى ويدعو للميّت وعموم المسلمين، وبعد الرّابعة سكتة خفيفة ثمّ يسلّم بقدر من يسمعه ولا يرفع صوته، والمعمول به الآن عندهم كالمدارس السّنيّة يقرأ الفاتحة بعد التّكبيرة الأولى، وبعد الثّانية الصّلاة الإبراهيميّة ثمّ يدعو بعد الثالثّة ويسكت سكتة خفيفة بعد الرّابعة ثم يسلّم، وعند الزّيديّة يقرأ الفاتحة بعد التّكبيرة الأولى، وبعد الثّانية يقرأ سورة الصّمد، ثمّ يصلّي على الرّسول وآل بيته وعلى إبراهيم وآله، وبعد الثّالثة يقرأ سورة الفلق ويصلّي ويدعو دعاء خفيفا عامّا، وبعد الرّابعة يصلّي على النّبيّ وآله، ثمّ يدعو للميت، وبعد الخامسة يسلّم.

وأمّا صلاة التّراويح جماعة فبدعة عند الزّيديّة كالإماميّة، وهي صلاة اللّيل، وعند الإباضيّة كالمدارس السّنيّة سنّة أو نافلة تصلّى جماعة كسنّة عمريّة، حيث جمعهم على إمام واحد، بعد صلاة العشاء، إحدى عشر ركعة كما هو الغالب اليوم، الوتر مع قيامين، كلّ قيام أربع ركعات، ومنهم من يصلّي ثلاث قيامات، والمعمول به الأول.

وصلاة اللّيل عند الإباضيّة المعمول به إحدى عشر ركعة مع الوتر، وثمان بدونها، وعند الزّيديّة اثنتا عشرة ركعة، وقيل ثمان، وصلاة الضّحى عند المدرستين ركعتان، وكذا صلاة الاستخارة وتحيّة المسجد، وأقل النّفل ركعتان.

وصلاة الوتر واجبة أو سنّة مؤكدة عند الإباضيّة، ونافلة عند الزّيديّة، يصح عند المدرستين بركعة، ويستحب ثلاثا، وعند الإباضيّة المعمول به الوصل، ويصح الفصل بتسليم بعد الرّكعتين كما هو المعمول عند المدارس السّنيّة.

وما ذكرته آنفا من أحكام الصّلاة على اعتبار المشهور أو المعمول به عند المتأخرين من المدرستين وما يماثله من مشهور المدارس الأخرى، وبالله التّوفيق.

1440هـ/ 2019م


[1] هذا من حيث الجملة، وإن كانت القبليّة سايرت هذا المبدأ العام بقوّة. للمزيد ينظر مقالنا البحثيّ: فلسفة الدّولة: مدرسة الشّورى، نشر في مجلّة مواطن الالكترونيّة.

[2] للمزيد ينظر مقالي: الرّواية عند الإباضيّة وقاعدتي العرض على القرآن وعمل المسلمين (مدونة أبي غانم الخراسانيّ أنموذجا)، نشر دورية الحياة، جمعية التّراث، الجزائر، رمضان 1434هـ/ 2013م، عدد 17، ص: 66 – 81.

السابق
مقدّمة في العلاقة بين الأنسنة والتّأويل
التالي
قراءة حول علاقة الإباضيّة بالخوارج من خلال الظّرفيّة التّأريخيّة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً