التّواصل صوتي عن طريق الواتس، حوّلته كتابيّا، مع حذف السّلام والثّناء، 1442هـ/ 2020م
بدر العبريّ: الأستاذ الدّكتور الآب حنّا أسكندر المحترم
تحيّة الرّب عليك وعلى البشر جميعا، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
اعتذر عن ازعاجك المتكرر
وفي الحقيقة أريد أكتب مقالا موضوعيّا علميّا حول ما حدث في مبنى آيا صوفيا، بعيدا عن الأيدولوجيات والتّوجهات الذّاتيّة، ولي بعض الأسئلة مع الإشارة إليكم فيما يتعلّق بالشّأن المسيحي.
بداية من المعلوم في عام 330م قام الامبراطور قسطنطين بنقل العاصمة روما إلى القسطنطينيّة، وأصبحت العاصمة الرّوحيّة للمسيحيّة الشّرقيّة، فهل كانت عاصمة لجميع المسيحين لأنّه قبل الانقسام الخلقدوني، أم كانت لهم عاصمتان من تلك اللّحظة؟ وماذا تشكل العاصمة من حيث التّقديس المكاني، أم أنّ القداسة في الأصل لفلسطين ككنيسة القيامة والمهد؟ أي المكان الّذي ارتبط بيسوع عليه السّلام؟
ثمّ أنّ انطاكيّة أقدم من القسطنطينية فهل لا زالت عاصمة روحيّة، وماذا تشكل الإسكندرية أيضا؟
وقد تناقشنا في الحلقة المسجلة بين الكنيسة كجامعة وبين الكنيسة كبناء أو كتدرائيّة، فهل البابويّة أو البطريركيّة مرتبطة ببناء معين أو مكان معيان، أو يبقى المكان مجرد رمز لها، بمعنى مثلا بابا الفاتيكان هل مرتبط بمبنى مقدّس كمكّة عند المسلمين، فهل يمكن أن يغيّر مكانه إلى أي منطقة أخرى؟ لأيّ سبب كان، فهل القداسة لبابويته أو بطريركيته أم لابدّ أن يلازم مكانا مقدّسا أيضا؟
وسؤالي هذا مرتبط بآيا صوفيا الّتي بناها جستنيان الأول عام 532م، هل كانت مكانا مقدّسا للمسيحيين، أو مجرد كاتدرائيّة، وهل ارتبطت بالبطريركيّة الشّرقيّة، ثمّ هل فعلا بيعت لمحمّد الفاتح أم اغتصبت من المسيحيين؟
فلمّا أخذها هل أصبح هناك مقر آخر للمسكونيّة البطريركيّة؟ ولماذا ترفض تركيا الاعتراف بمسكونيتهم وتحصرهم للرّوم الأرثذوكس فقط في تركيا؟
ومن المشهور في الكنيسة القبطيّة لقب البابا فهل في الكنيسة الشّرقية لقب البطريرك أعلى من البابا، ولماذا تسمى الأقباط بالبابا، وهل هم مستقلون أم يرجعون لبطريرك القسطنطينيّة؟
وسؤالي الأخير: هل توجد ردّات فعل شرقيّة مسيحيّة غاضبة على تحويل آيا صوفيا إلى مسجد؛ خصوصا في تركيا؛ لأنّي لم أسمع عنها؟
عذرا دكتور وأبونا على ازعاجك، فقط ليكون المقال موضوعيّا، وممكن الإجابة صوتيّا، وإن رأيتم بعضها غير مناسب للجواب فلكم الحق في ذلك، وأرسلت لكم من باب التّثبت، وعدم النّسبة الخاطئة إلى الغير.
دمت بود ومحبّة.
جواب الأب حنّا أسكندر: أولا كانت الكنيسة المقدّسة في أورشليم، ثمّ كنيسة أنطاكية، حيث صارت عاصمة ثانيّة، ثمّ كنيسة الإسكندريّة في مصر، ثمّ كنيسة روما، هذه الكنائس الأربع القديمة، وهي من العصر الأول، تحتوي أربع بطارقة، ثمّ أضيفت بطريكيّة جديدة مع قسطنطين لمّا اتّخذ بيزنطة عاصمة له، حيث دخلت السّياسة بالدّين، فوضعوا هذه البطركيّة الجديدة، في القسطنطينيّة نسبة إليه، عاصمة روما الشّرقيّة، والّذي عمّر كنيسة آيا صوفيا الامبراطور جستنيان الأول عام 532م، بعد انهيار المملكة الغربيّة سنة 476م، وأوروبا الشّرقيّة أصبحت تابعة للكنيسة المسكونيّة في القسطنطينيّة، ولاحقا نشأت بطركيّة موسكو، وأخيرا بطركيّة أوكرانيا.
ونحن المسيحيين لا يوجد لدينا مكان مقدّس مثل مكّة عند المسلمين يحج إليه، فلا نحجّ إلى الفاتيكان سنويا، فكلّ الدّنيا عندنا مقدّسة، وكلّ الأرض للرّب، أيّ مكان نصلّي فيه، المهم طهارة القلب.
كلّ ما في الأمر أنّ القسطنطينيّة أصبحت عاصمة روما الشّرقيّة، من هنا كانت لها القدسيّة والرّمزيّة، ولمّا فتحها محمّد الفاتح حوّل آيا صوفيا إلى مسجد، وقضيّة الشّراء لا أتصور، ولمّا فتحها عمل مجازر لمدّة ثلاثة أيام، وقد يكون اشتراها في ظروف قاهرة، ثمّ بسبب المجاز والتّشريد ومجيء قبائل من الخارج وتسكينهم القسطنطينيّة لم يعد هناك مسيحيون حتى يصلوا فيها، وأصبحت عاصمة للعثمانيين.
لهذا من عام 1452م لم تعد مركزا دينيّا عند المسيحيين، فلم يعد وجود للمسيحيين فيها، أو ضعف جدّا وجودهم، وليس لهم كلمة، وانتدبت عنها بطريركيّة موسكو، وكذا اليونان تعتبر حالها وريثة القسطنطينيّة، ولكن أخيرا انتخب بطركا للأرثدوكس سمي بطرك القسطنطينيّة، ولكن ليس له أيّ فعاليّة، مجرد صورة، ولا أتصوّر هناك قدسيّة مهمة لكنيسة آيا صوفيا، كانت في التّأريخ مركز للبطريركيّة، ولم تعد الآن مركز بطريركيّا، بقت أهميتها أنّها آية في الجمال والفنّ، ومن بقايا الفنّ الرّومي البيزنطي القديم لا أكثر.