1436هـ/ 2016م
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
يمر الخليج العربي اليوم بمرحلة عصيبة من تأريخه، يكاد تكون أصعب مرحلة يمر بها اليوم أمام انهيار أسعار النّفط. وقبل سنوات خلت كان التضخم المالي والعاصفة الماليّة التي اجتاحت العالم أجمع، واليوم المجتمعات قابلة إلى سنوات الله أعلم بحالها!!! نسأل الله السلامة والعافية…
والسؤال هنا: ما المخرج وأين المخرج؟
المخرج كما يرشدنا العقل، ويدعونا إليه القرآن، هو بناء الإنسان واستقلاله وحريته!!!
إن الأمم ولو بنت عشرات ناطحات السحاب، ومئات الجسور، ما لم تبنِ الإنسان، يسقط هذا البناء في يوم وليلة!!!
إن الأمم لا تقاس بكثرة صواريخها، وإنما تقاس بقوة العقول فيها؟ فهذه ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، والتي أصبحت بسبب عنفوان النازية وغرورها، أصبحت قاعا صفصفا، لا اقتصاد ولا حياة مدنية، ولكنها عرفت أين الخلل فبنت الإنسان عقلا وقانونا وحرية وعدلا، فأصبحت كما ترونها اليوم!!!
ثمّ انظروا إلى اليابان، فما اليابان بعد الحرب العالمية الثانية إلا دولة متخلفة لا وجود لها، وزادها سوءا القنبلة الذرية التي دمرت هيروشيما، وجعلتها أثرا بعد عين!!!
ولكنها أدركت أين الخلل، فبنت الإنسان الياباني، بنت عقله ومعرفته، وأعطت للقانون مكانته، وللوقت قيمته، فنما الإنسان، فنمت اليابان وقامت كأعظم قوة اقتصادية في العالم، يضرب بها المثل!!
وهذه ماليزيا، أين كانت قبل مهاتيما محمد، وأين أصبحت اليوم، أصبحت قبلة اقتصادية وعلمية وسياحية في أقل من عقد من الزمان، وهي لا تملك أقل الموارد التي تملكها الدول العربية!!!
أيها المؤمنون: انظروا إلى نبيكم يوسف الصّديق، ماذا قال لفرعون عصره: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ…
لماذا أراد أن يتزعم خزائن الأرض، أي يكون وزيرا للمال العام، وما الصّفة المؤهلة فيه!!!
انظروا وتدبروا كتاب ربكم: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ الله أكبر، صفتان عظيمتان: الحفظ والعلم، أي الأمانة والمعرفة…
لو كان خازن الأرض ليس أمينا، لسرق وبذّر المال، وقدّم عشيرته وأقاربه على المجتمع والأمة …
ولو كان جاهلا لاستُغل جهله، ووضع البلاد في مستنقع من الفقر والمرض…
سبع سنوات فقط، بنا يوسف الصّديق الإنسان في مصره، وعرف كيف يسوس اقتصاد بلاده، حتى صارت مصر يوسف قبلة للعالم حينها، يأوي إليها الناس من كل فج عميق!!! فخلّد الله ذكره لهذه الأمة في سورة كاملة لعلها تتعظ بسيرته، وتسير على نهجه، ولكن للأسف هذه الأمة ظلت تتصارع في امرأة العزيز أهي همّت به أم هو بها، بدل التفكير في مقاصد السّورة الاقتصاديّة العظيمة!!!
يا قراء القرآن، ويا أتباعه، يوسف الصّديق بتربية من ربه يعطيكم أعظم قوتين في بناء الإنسان، فما هما؟ القوة الأولى: بناء الإنسان على الأمانة والبعد المجتمعي، وفق قانون عادل يحمي الجميع، ويفتح الإبداع للجميع، والشّراك في استعمار الأرض وبنائها، وعدم الإفساد فيها، وعدم الاعتداد بالأقارب والمصالح الشّخصية: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
القوة الثانية: قوة المعرفة والعلم وبناء العقل، وإعداد الجيل القادر على البناء، إن بناء العقول ولو تحت شجرة ضرورة ملحة لبناء المجتمع، وقبل إصلاح الاقتصاد لابد من إصلاح التعليم، وقبل كثرة الشهادات والدرجات لابد من قوة العقول والمعارف وفق العصر والزمان.
إنّ الإخلال بالأمانة والمعرفة المقنعة، والمصالح الشخصية أكبر داء يهدد الأمم في اقتصادهم وأموالهم.
والحمد لله وهب الله البلاد والعباد من المصادر الحيوانية والزراعية والمعدنية والبحرية، والتي يمكن بها جعل البلد قوة وقبلة اقتصادية إذا ما أحسنا بناء العقل والإنسان من جديد، وفق العدالة القانونية، والرقابة الشاملة، والحرية الإبداعية، والمؤسسات المدنية، والاستفادة من الأمم المتقدمة، وعدم اليأس، والشراك من الجميع في ذلك، فالخير في الأرض كبير، وعلى الإنسان أن يستغل الطاقات لديه كما أمر الله سبحانه: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ. والحمد لله رب العالمين.