حلقات الصّيام في الأديان على إذاعة مسقط أف أم
1 رمضان 1445هـ/ 12 مارس 2024م
من تأملات المرحوم صادق جواد سليمان (ت 2021م) حول الأديان غير الإبراهيميّة فيرى “ثلاثة منها نشأت في شبه القارة الهنديّة: وهي (الهندوسيّة)، (والبوذيّة)، (والجينيّة)، وهذه تتشارك في معتقد (التّقمص) القائل بعودة الإنسان بعد الموت مكررا للحياة، لأجل التّطهر من جميع الأدران العالقة به قبل انتقاله إلى عالم أرقى. (والكرما) أي ارتداد ما يصدر من الإنسان إليه، خيرا بخير، وشرّا بشر، في هذه الحياة، أو في حيوات قادمة. كما تتشارك في أمور ثلاثة أخرى: كره أكل لحوم الحيوانات، وأزليّة الكون وأبديته، وإمكانية الارتقاء إلى حالة مثلى تنتهي عندها جميع مكابدات الإنسان في هذه الحياة (نرفانا).
إلا أنّ (البوذيّة) و(الجينيّة)، خلاف (الهندوسيّة) التي انبثقتا منها، لا تقران بآلهة ماورائيّة، بل تريان أنّ استهداء الإنسان في فهم طبيعة الوجود وسبل ارتقائه في إنسانيّته أمر مرهون بعمليّة رياضيّة ذاتيّة، أسوة بما تحقق في وعي مؤسّسيها، (بوذا) و(مهاويرا) الّذين هجر كلّ منهما حياة القصر الملكي، وذهب يسعى للاستنارة من داخل ذاته، فدخل (بوذا) في حال تأمّلي عميق امتدّ ست سنوات من الاعتكاف في عزلة غابة كثيفة، والتزم (مهاويرا) بالصّمت لاثني عشر سنة، كلاهما كان قد هاله ما لحظ من مكابدات البشر في الحياة، فسعى لاكتشاف طريق للخلاص.
أما المفارقة بينهما فإحداها أنّ (البوذيّة) انتهجت الاعتدال في نمط العيش، بينما جنحت (الجينيّة) للتّقشف المفرط، وحرّمت مطلقا إزهاق روح أيّ كائن حي (أهمسا)، لدرجة أنّها حظرت الاشتغال بالزراعة خشية أن تقتل بالحراثة ديدان تدب تحت التّربة.
(البوذيّة) لم تنتشر كثيرا في موطنها الهند، لكنّها لاقت قبولا واسعا في كلّ من سري لنكا وبرما وتايلند والصّين وتيبيت وكوريا واليابان، أمّا (الجينيّة) فبقت منحسرة في عدد قليل من التّابعين ضمن موطنها الهند.
ثلاثة أديان أخرى نشأت في الشّرق الأقصى: (الكنفوشية) و (الدّاويّة) في الصّين، و(الشّنتوية) في اليابان.
(الكنفوشيّة) و(الدّاويّة) ليستا في الحقيقة دينا؛ بل هما مدرستا فلسفة عمّت أطروحات كلّ منهما عموم الصّين فاعتبرتا بمثابة دين. المفارقة بين (الكنفوشيّة) و(الدّاويّة) أنّ (الكنفوشيّة) تؤكّد تقويم العرف العام سبيلا لتقويم المسلك الخاص، لذا تدعو إلى إرساء عرف اجتماعي سليم يلتزم به جميع الأفراد، و(الدّاويّة)، عكس ذلك، تؤكد تقويم المسلك الخاص سبيلا لتقويم العرف العام، لذا تدعو إلى إصلاح الأفراد ابتداء لأجل خلق مجتمع صالح.
وأمّا (الشّنتويّة) اليابانيّة، تقول بوجود آلهة تعنى بالشّأن الإنساني، وبكون الامبراطور الياباني منحدرا منها، لكنّها تحمل شغفا فائقا يماثل التّعبد بجماليات الطّبيعة على الأرض.
هذه الثلاثة، أديانا سُميّت أو مدارس فلسفيّة، قليل فيها من قبيل طقوس تعبّديّة، وقليل حول غاية نهائيّة للحياة على الأرض، وقليل من اهتمام بمصير الإنسان بعد الموت.
ثمّ يأتي دين فارس القديم (الزّرادشتيّة) المسماة أيضا ب (المجوسيّة أو عبادة النّار)، الّتي ترى حراك العالم صراعا بين الخير الشر، وأخيرا دين (بوذيّة زين)، المشتق من (البوذيّة) الأم، والّذي يرى الحقيقة مستترة وراء ستار كثيف لا تُبصر منه إلا عن طريق حل ألغاز عصيّة”[1].
وأمّا الأديان الإبراهيميّة فسميت بذلك الأديان الإبراهيميّة بمعنى الكلّ ينتسب إلى إبراهيم ويعظّمه، وفي الوقت نفسه نجد هذه الأديان متقابسة من بعضها، وتسمّى أيضا بالأديان السّماويّة نسبة إلى السّمو والارتفاع، أو لأنّ تعاليمها علويّة ليست أرضيّة.
والمتأمل في الأديان الإبراهيميّة أنّها أربعة أديان رئيسة، وأربعة أديان تفرعت منها أو تأثرت بها، أمّا الأديان الأربعة الرّئيسة: السّامرية واليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، وأمّا المتفرعة: الصّابئة المندائيون واليزيديّة والسّيخيّة والبهائيّة، هذا إذا اعتبرنا المومرمون مذهبا مسيحيّا، وليست ديانة منبثقة من المسيحيّة.
كما يوجد ديانات قديمة بعضها انقرض، وبعضها تطوّر، كديانات حضارة وادي النّيل وبلاد الرّافدين، وبلاد السّند، كما يوجد العديد من بقايا الأديان الوثنيّة في أفريقيا السّمراء إلى اليوم، وفي هذه الحلقات سنتحدّث بصورة سريعة عن طقس الصّيام في وهذا مصداقا لقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
[1] العبريّ: بدر، الإنسان والماهيّة: محاورات في الدّين والفلسفة والشّأن الإنسانيّ مع المفكر صادق جواد سليمان، ط دار روافد، لبنان – بيروت، وقرّاء المعرفة، عمان – مسقط، الطّبعة الأولى، 1443هـ/ 2021م، ص: 105 – 109. بتصرّف.