قد يكون من المبالغة وضع العنوان هكذا …. عيد (يوم) الأم … حلال أم حرام؟ لأنّ التّحليل والتّحريم بيد الله سبحانه وتعالى وحده.
عموما هناك ثلاث دوائر رئيسة لنفهم الموضوع جيّدا…
الدّائرة الأولى: دائرة إنسانيّة مشتركة.
الدّائرة الثّانيّة: دائرة قوميّة أو وطنيّة.
الدّائرة الثّالثة: دائرة دينيّة وطقوسيّة.
الدّائرة الأولى: دائرة إنسانيّة مشتركة، وهذه الدّائرة مشتركة بين البشر في خدمة الإنسان، أو خدمة الكون بما فيه من حيوان ونبات وجماد، ويدخل في هذا يوم الأم والمعلم والشّجرة والمرأة والأب ويوم العمال وما شابهها، والغرض منها التّذكير بهذه الجوانب والالتفات إليها بغض النّظر عن الدّين والعرق والجنس واللّون.
الدّائرة الثّانيّة: دائرة قوميّة أو وطنيّة، ويدخل فيها الأعياد القوميّة أو الوطنيّة، كالعيد الوطنيّ، أو يوم اللّغة العربيّة مثلا، أو عيد الرّبيع عند بعض الأقوام.
الدّائرة الثّالثة: دائرة دينيّة وطقوسيّة، وهذه تختلف من دين لآخر، فعند المسلمين عيد الفطر والأضحى، وعند النّصارى أشهرها عيد الميلاد (الكريسمس) وعيد القيامة، وعند اليهود أهمها عيد الغفران وعيد الفصح، وعند البهائيّة أشهرها عيد السّنة البهائيّة (النّوروز) وعيد الرّضوان، وعند البوذيّة مثلا عيد ميلاد بوذا، وهكذا دواليك، فهذه أعياد دينيّة.
والآن إذا جئنا إلى التّطبيق سنجد الدّائرة الإنسانيّة والقوميّة والوطنيّة لا علاقة لها بالحلال والحرام، فهي وقفات تذكيريّة لا أكثر ولا أقل، غرضها مع التّذكير التّوظيف والعلاج.
ثمّ سواء سميّت عيدا أو يوما، والعيد من العود أي يعود مثلا في العام مرة، وبعض العلماء ومنهم الشّيخ بيوض رحمه الله ت 1980م فيما أحفظ أجاز إطلاق لفظة العيد في غير الفطر والأضحى، وعندهم في ميزاب مثلا عيد الرّبيع، يحتفلون به سنويّا، وهناك من شدد خشيّة الالتباس والإضافة عدا ما شرع من الفطر والأضحى، فأطلقوا عليه يوما، والمسألة لفظيّة واسعة، وإن كنت شخصيّا أميل إلى الثّاني ليس خشية الالتباس، وإنّما الغرض منها التّذكير ولتكون وقفة لغرض معين، وعليه تسميتها يوما أقرب من كونها عيدا.
أمّا الدّائرة الثّالثة وهي الدّائرة الدّينيّة والطّقوسيّة فهي الّتي يشدد فيها من حيث الاستقلاليّة في الطّقوس والممارسة العباديّة إلا أنّه تكون هذه الدّائرة وفق البعدين التّاليين: احترام كل طرف في معتقده وطقوسه، وحريته في ممارسة أعياده وتصوراته الدّينيّة، ولقد تحدثت عن هذا وجواز التّهاديّ في مقال منشور في صفحتي بعنوان: تهنئة النّصارى بعيد الكريسمس، من أراده فليرجع إليه.
عموما جاءت الشّرائع السّماوية للتهذيب والشّراك الإنسانيّ، لا للقمع والاستعلاء، وأمّا الاستقلاليّة فهذا مرتبط بالتّوحيد والعبادة والطّقوس، لأنّها أقرب إلى الخصوص التّعبديّ والشّرعيّ.
وعليه الوقوف مع الإنسانيّة في الاحتفاء بيوم أو عيد الأم جانب إنسانيّ رفيع، لا يتعارض مع الشّرائع السّماويّة، بل هي أولى من تقف مع الأم وتحتفي بها، وقد أعطتها مكانا ذاتيّا رفيعا، ولا علاقة بيوم الأم ومسألة التّشبه أو الولاء والبراء، ومناقشة الفكرتين يطول، ونقتصر عند هذا، مع احترامنا للرّأي الآخر، والله الموفق.
فيسبوك 1436هـ/ 2016م